والصَّب تفضحه عيونه!
د. محمد عمارة | 05-04-2010
في العشق يقولون: "والصَّب تفضحه عيونه"!.
ولقد سبق فتُرجم وطبع بالقدس قبل نحو قرن ونصف من الزمان (1281هـ 1865م) كتاب كتبه رجل دين نصراني هو "مكسيموس مونروند" ـ وترجمه رجل دين نصراني هو "مكسيموس مظلوم". أما عنوانه فهو: (تاريخ الحروب المقدمة في الشرق: المدعوة حرب الصليب).
وأهمية هذا الكتاب تتعدى أنها شهادة نصرانية على فظاعة المجازر التي ارتكبها الصليبيون بالقدس ـ عندما اقتحموها ـ في عهد الدولة الشيعية الفاطمية سنة 492هـ 1099م ـ .. تتعدى أهمية ذلك الكتاب هذا، إلى أهمية بالغة أخرى، وهي حكايته لشهادات شهود عيان على المجازر الوحشية التي ارتكبها النصارى الغربيون تحت أعلام المسيح، الذي قال لهم: أحبوا أعداءكم، وباركوا لأعينكم، وأديروا خدكم الأيسر لمن يضربكم على خدكم الأمين!".
لقد أورد هذا الكتاب خطاب البابا الكاثوليكي ـ البابا الذهبي "أوربان الثاني" (1088 ـ 1099م) ـ الذي أعلن الحروب الصليبية (489 ـ 690هـ ـ 1096 ـ 1292م) ـ على الإسلام وعالمه وأمته وحضارته.. والتي دامت قرنين من الزمان.. وكانت أول حرب عالمية يشنها الغرب النصراني على الإسلام، لإعادة اختطاف القدس والشرق من التحرير الإسلامي ـ.. أورد هذا الكتاب خطاب البابا في أمراء الإقطاع الأوروبيين، الذي حثهم فيه على إيقاف حروبهم الداخلية بعضهم ضد بعض.. وعلى توجيه سيوفهم لانتزاع الشرق من أيدي المسلمين، وامتلاك ثروات الشرق وخيراته التي لا نظير لها سوى الفردوس السماوي!.. وكيف صنع هذا البابا لفرسنا الإقطاع "مفاتيح الجنة" وحدثهم عن تحرير "قبر ابن الله" من أيد المسلمين!.. الأمر الذي فضح ـ في هذا الخطاب ـ المقاصد الاستعمارية الغربية في نهب ثروات الشرق، باسم المسيحية والمسيح ـ عليه السلام ـ !.
لقد خطب الباب في هؤلاء الفرسان فقال: "يا من كنتم لصوصًا كونوا اليوم جنودًا!.. لقد آن الزمان الذي فيه تحوّلون ضد الإسلام تلك الأسلحة التي أنتم تستخدمونها بعضكم ضد بعض.. فالحرب المقدسة المعتمدة الآن هي في حق الله عينه.. وليست لاكتساب مدينة واحدة بل هي أقاليم آسيا بجملتها مع غناها وخزائنها العديمة الإحصاء.. فاتخذوا بحجة القبر المقدس، وخلصوا الأراضي المقدسة من أيدي المختلسين، وأنتم أملكوها لذواتكم، فهذه الأرض ـ حسب ألفاظ التوارة ـ تفيض لبنًا وعسلاً.. وخصبها يشابه فردوسًا سماويًا.
أذهبوا وحاربوا البربر ـ (أي المسلمين!) ـ وامضوا متسلحين بسيف مفاتيحي البطرسية.. واكتسبوا لذواتكم خزاين المكافآت السماوية الأبدية، فإذا أنتم انتصرتم على أعدائكم، فالملك الشرقي يكون لكم قسمًا وميراثًا.. وهذا هو الحين الذي أنتم فيه تفدون أنتم تفدون عن كثرة الاغتصابات التي مارستموها عدوانا.. ومن حيث أنكم صبغتم أيديكم بالدم ظلما فاغسلوها بدم غير المؤمنين"!..
فهي حرب "مقدسة" لاغتصاب أقاليم آسيا، وامتلاك الأرض التي تدر لبنًا وعسلاً، والتي تحاكي خزائنها الفردوس السماوي.. تحت أعلام المسيح، وامتلاك قبر "ابن الله"!، وفرسان الإقطاع الأوروبي، الذين جمعهم البابا الذهبي، وسلحهم بمفاتيح الجنة ـ مفاتيح القديس بطرس ـ دعاهم البابا إلى أن يكفروا عن جرائمهم، ويغسلوا أيديهم اللطمة بالدماء، ويطهرها بدماء المسلمين!!..
هكذا تحدث البابا الذهبي إلى فرسان الإقطاع الأوروبيين، داعيًا إياهم إلى احتلال الشرق، ونهب خيراته، باسم المسيح.. وسلحهم بمفاتيح الجنة.. هذا مقابل غفران ذنوبهم إذا هم تقربوا إلى ربهم بقتل المسلمين!!..
لقد شهد شاهد من أهلها.. بل لقد شهدت كلمات البابا على أنه الطامع في الدنيا.. ونهب ثروات الشرق، تحت ستار الدين!