الإسلام دين الجماعة .. ولأن الوسطية الإسلامية هي زاوية الرؤية ، والتي بدونها تفقد المبادئ والأفكار والأشياء حقيقة إسلاميتها ، فإن " الجماعة " في الرؤية الوسطية الإسلامية ، هي توازن وعدل يجمع بين " الفرد " و " الأسرة " و " الأمة " على النحو الذي تتفتح فيه طاقات " الفرد " وملكاته : لتتحول هذه الطاقات والملكات إلى دعم وتنمية لطاقات وملكات " المجموع " فلا تطغى " الفردية " والأثرة والاستئثار على روابط الاجتماع ، ولا تطغى " الجماعية " على ملكات وطاقات وحريات الأفراد والجماعات الفرعية في الأمة والمجتمع .
تلك هي رؤية الإسلام للاجتماع الإنساني ، ولعلاقة الإنسان بالمجتمع والاجتماع والجماعة – تميزت وتتميز عن نظائرها خارج حضارة الإسلام .
- فالإنسان في الرؤية الإسلامية – خليفة لله سبحانه وتعالى : ﴿ وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ﴾[البقرة : 30 ] . وهو مكلف .. ومسئول .. وحر .. وحامل لأمانة عمران هذه الأرض ... وصاحب استطاعة وقدرات .. وله سخر الله ما في السموات والأرض ليتمكن من أداء أمانة الاستخلاف ورسالة العمران .
لكن فلسفة الخلافة والاستخلاف تجعل مكانة الإنسان وسطاً ، فلا يصح لقدراته وملكاته أن تذهب به إلى حيث أن يظن نفسه سيد هذا الكون ، المكتفي بذاته ، والمؤله لعقله وملكاته ، والمستغني عن رعاية ومعونة من خلقه واستخلفه واستنابه ، سواء أكان هذا الاستغناء من " الفرد " أو من " الطبقة الاجتماعية " أو حتى من " جماعة وأمة و حضارة " ضد غيرها من الجماعات والأمم والحضارات .. فطريق الاستفراد والاستغناء هذا هو مقدمة الطغيان .. وصدق الله العظيم إذ يقول ﴿ كلا إن الإنسان ليطغى ( 6 ) أن رآه استغنى ﴾ [العلق : 6 -7 ] .
كما لا يصح لهذا الإنسان أن يهمل ما له من طاقات وملكات وقدرات فيعطلها – بالجبرية أو التواكل أو الاستسلام والخضوع لظلم الظالمين وقهر المستبدين فيتخلى عن مكانة الخليفة المفوض لها ، وعن رسالة وأمانة العمران التي خلقه لها الله سبحانه وتعالى ، ففي هذا الخيار البائس للنفس ، وتفريط في علة الخلق الإلهي للإنسان ﴿ إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ﴾[النساء : 97]
فالخلافة والاستخلاف وسط بين " فردية الاستغناء والطغيان " وبين " جبرية التهميش والمذلة والاستضعاف "
- وحتى تتحق هذه الفلسفة الإسلامية من وراء خلق الإنسان – فلسفة الاستخلاف – جاءت الرسالات السماوية برعاية الله وتدبيره لدنيا هذا الإنسان ، وذلك حتى تستقيم مسيرته على صراط الوسطية المستقيم ، صراط الخليفة ، الذي لا يطغى فيغتصب السيادة المطلقة في الكون .. ولا ينحط إلى درك الجبرية والتفريط فيما خلق الله له وسخر من طاقات وملكات وإمكانات .