أولاً: ما دامت مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم وبالتالي مهمة كل
داعية يتتبع خطي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ما دامت هذه المهمة
محصورة في البلاغ فينبغي على الداعية أن يبلغ الرسالة كما هي وألا
يزيد فيها ولا ينقص منها وأن يستمسك بها كما أنزلها الله سبحانه وتعالى
وينبغي عليه
ثانياً: أن لا يظن أن مهمته أن يُدخل الإيمان في قلوب الناس فلذلك أمر
قد تكفل الله سبحانه وتعالى به ولم يتركه لأحد من البشر ، ولكن هذا مما
يصعُب على الإنسان جدا ، فالإنسان عجـول يريد أن يرى نتائج عمله ،
والناس كما قيل كأســراب القطـا مجبولون على حـب التقليد
والموافقة ، فالإنسان يحـب إذا قـال للناس كلاما أن يقبلوا منه هذا
الكـلام وأن يعيدوه لكي يكـونوا مثله فإذا لم يفعلـوا هذا غـره
شـياطـين الإنس والجـن على أن يغير هو في دعـوته كي تناسـب
ما عندهـم ولذلـك فـإن الله سبحانه وتعالـى حــذر رســوله
صلى الله عليه وسلم من أمثال هـؤلاء فقال : (وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ
عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً. وَلَوْلَا
أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا . إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ
وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا)
فقـوله سبحانه وتعالى: (وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً) هذا كلام في غاية الأهمية
وذلك لأن دعاة الباطل والكفار ليغرون الداعية بأنه إذا غير هنا أو غير
هناك أو أوّل الدين أو فسره بما يناسب أهواءهم فإنهم يحبونه ويعظمونه ،
وهذا ما يحدث الآن في واقعنا ، فإن المستشرقين وأمثالهـم من الشيوعيين
وغيرهم كثيرا ما يمدحون الدعاة أو المنتسبين إلى الإسلام الذين يعمدون إلى
مثل هذا التغيير فيصفونهم بسعة الأفق وفهمهم العصر ويصفونهم بأنهم
يجعلون الدين للناس يسرا ويصفونهم بأنهم أذكياء وبأنهم متحررون وبأنهم
كذا وكذا وكذا ، وهذا يغر الإنسان فيتمادى في التحريف ، وهم لا يريدون
لهذا التحريف أن يقف عند حد ، فكل ما وجدوا إنسانا أكثر تحريفا عظموه
عمن هو أقل منه تحريفا لأنهم لم يرضوا عنه: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120] .
هذه الغاية التي يريدون للإنسان الداعية أن يصل إليها.
وإذا كان هذا قد حدث في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه
موجـود عندنا الآن .
المسألة الثالثة: التي حذر الله سبحانه وتعالى الرسول هي الحزن لأنه
إذا كانت مهمتك أيها الرسول أن تبلغ فينبغي أن لا تحزن مهما كان رد
فعل الناس ومها أعرضوا قال تعالى: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ
إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا).
المسألة الرابعة: هي أن لا ييأس أبدا لأن الإنسان الذي ييأس هو الذي
يظن أن عليه أن يهدي الناس وأن يحملهم على أن يقبلوا دعوة الله سبحانه
وتعالى ، أما الذي يتذكر أن مهمته هي البلاغ فسيستمر في هذا التبليغ
حتى ولو أعطاه الله سبحانه وتعالى عمرا كعمر نوح لا ييأس أبدأ لأنه يعلم
أن مهمته إنما هي أن يوصل هذا الحق للناس لا أن يحملهم عليه حملا
والله سبحانه يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ .
لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) ‘إن هدى الله ليس من مهمة الرسول
وليس من مهمة أي بشر , أي داعية (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ
وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)