الباعة الجائلون يشوهون واجهته.. ومحال البقالة تطمس معالمه الأثرية.. «سادات قريش» أول مسجد أنشئ فى مصر.. وليس جامع عمرو بن العاص
كتب ريهام العراقى ٢٢/ ٨/ ٢010
رغم مكانته التاريخية البارزة لا يحظى مسجد «سادات قريش» بالاهتمام الذى يستحقه، رغم أنه أول مسجد بنى فى مصر، بعد الفتح الإسلامى لها، وليس مسجد عمرو بن العاص كما هو شائع، حيث يسبق بناء «سادات قريش» بناء عمرو بن العاص بعامين كاملين.
المسجد الذى يقع فى مدينة بلبيس فى الشرقية يجمع بين رائحة الماضى وبساطة البناء، وقدم الطراز المعمارى وروحانية المكان.. ورغم هذه القيمة الأثرية للمسجد فإن كل شىء حوله وفيه يتناقض مع هذه القيمة، فمدخله لا يدل بحال على أنه أول مسجد بنى فى مصر، اللهم إلا لافتة وضعت إلى جوار بابه الرئيسى تعلن عن بناء المسجد على يد عمرو بن العاص سنة ١٨ هجرية، وتجديده فى عهد الأمير مصطفى الكاشف سنة ١٠٢ هجرية.
المسجد أشبه بزاوية هضمتها محال البقالة والباعة الجائلون حوله، الذين ساهموا ليس فقط فى تشويه صورة المسجد الأثرى، لكن أيضا فى طمس معالمه الأثرية.. للوهلة الأولى قد يتصور البعض أن جدران «سادات قريش» تابعة لأى منشأة تجارية أو صناعية، وذلك من كثرة التعدى عليها، والمئذنة الوحيدة داخله حجبتها هيئة الآثار خلف باب المسجد الرئيسى، ويبذل الغريب جهدا حتى يعثر على المسجد الذى يبدو كأنه «مستخبى».
ويروى أهالى المنطقة تاريخ إنشاء المسجد بأنه تم عام ١٨ هجرية عندما جاء عمرو بن العاص إلى مدينة بلبيس وأمر ببناء المسجد فى مقر المعركة، وأنشئ المسجد بطريقة بسيطة وبدائية، حيث تم اقتطاع مساحة مستطيلة من الأرض وشيدت جدرانه من الطوب اللبن، وأقيم من جهة القبلة صف من جذوع النخل بدلا من الأعمدة وسقف فوقها بالسعف والطمى.
وجاءت تسمية المسجد «سادات قريش» تكريماً لشهداء المسلمين من صحابة رسول الله فى معركتهم ضد الرومان عند فتحهم مصر، حيث كان هناك ١٢٠ صحابياً ضمن جيش المسلمين الذى حارب الرومان فى بلبيس، واستشهد منهم عدد كبير ينتسبون إلى قبيلة قريش التى ولد فيها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم- ورغم هذه الحالة فإن أهالى المدينة لم ينسوا بحلول شهر رمضان أن يعلقوا الزينات على جدران المسجد، وجمعوا مبالغ مالية من أجل شراء الفوانيس والزينات ليتزين بها المسجد فى قلب المدينة، بحيث بات أشبه بالعروس، ويتزاحم المصلون مع كل أذان أمام باب المسجد الضيق لتمتلئ طرقاته وأروقته بالمصلين ولا يسع الباقون إلا أن يفترشوا الشارع من أجل إتمام صلاتهم فى جماعة.
بخطوات ثقيلة ينتقل الحاج فتحى الذى تجاوز الـ٦٠ عاما يوميا من منزله إلى مسجد سادات قريش لأداء صلاة التراويح بالمسجد، ويرى ذهابه إلى المسجد متعة، ورغم بُعد المسافة بين منزله والمسجد فإنه حريص سنويا على الذهاب. «لا أشعر بالتقرب إلى الله فى الصلاة إلا فى هذا المسجد» هكذا عبر الحاج فتحى عن مدى ارتباطه بمسجد سادات قريش، الذى يحرص على أداء الصلاة به منذ ما يزيد على ٢٠ عاما، وتابع قائلا: «رغم بُعد المسافة بين المسجد ومنزلى لكننى أحرص على أداء صلاة التراويح به للتقرب إلى الله خاصة فى العشرة الأواخر من الشهر الكريم، خاصة أن شهر رمضان لا يأتى إلا مرة واحدة فى السنة ويحاول فيها المسلم جنى أكبر عدد من الحسنات».
وعبر أحمد السيد عن سعادته بالصلاة داخل المسجد قائلاً: «أخرج من منزلى بعد الإفطار مباشرة لحجز مكان داخل المسجد وأداء صلاة التراويح وأشعر بالفخر والسعادة لإقامة الصلاة داخل أول مسجد أنشئ فى مصر على يد الفاتح عمرو بن العاص ودفن أسفله صحابة الرسول (صلى الله عليه وسلم)».
وأوضح محمد عبدالرحمن نجم إمام مسجد «سادات قريش» أن المسجد يعد علامة بارزة فى التاريخ الإسلامى، وتمت تسميته مسجد «الشهداء»، لأنه شهد وفاة ٢٥٠ مسلماً فى المعركة التى دارت بين المسلمين والرومان، كان من بينهم ٢٠ من صحابة الرسول تم دفنهم أسفل المسجد إلا أنه تم تغيير اسم المسجد إلى «سادات قريش» تكريما لشهداء المسلمين من صحابة الرسول «صلى الله عليه وسلم».
وأشار نجم إلى حرص إذاعة القرآن الكريم فى الآونة الأخيرة على إقامة صلاة التراويح من المسجد إلى جانب توافد العشرات من الطلبة والمسلمين من مختلف المحافظات لزيارة المسجد.
وانتقد نجم قرار المجلس الأعلى للآثار بغلق الساحة الخلفية للمسجد بزعم وجود آثار بها قائلاً: مسجد «سادات قريش» أثرى ويحتاج إلى التطوير ولكن اهتمامات هيئة الآثار تتجه إلى المساجد الكائنة بالعاصمة فقط بغض النظر عن باقى المساجد الأخرى رغم أهميتها، وتقدمنا بأكثر من شكوى إلى المجلس الأعلى للآثار لاستغلال المساحة الخلفية للمصلين، لأن المسجد لا يسع جميع المصلين إلا أنه لم يستمع إلينا أحد، الأمر الذى يضطر العشرات من المصلين إلى افتراش الأرض فى الشارع.