ألا يعلم من خلق
د. محمد عمارة | 24-08-2010 00:46
إن الإنسان الضعيف ـ الذي إذا سلبه الذباب شيئًا لا يستطيع أن يستنقذ هذا الشيء من ذلك الذباب ـ ضعف الطالب والمطلوب! { يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ . مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ . اللَّهُ يَصْطَفِي مِنْ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ . يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} (الحج: 73 ـ 76).
إن هذا الإنسان، الضعيف ـ الذي سيبلى جسده، وتأكله الديدان ـ قد أعانه الله على إقامة "مدن إعلامية" تبث منها آلاف الفضائيات ملايين وبلايين الأصوات والصور والألوان، آناء الليل وأطراف النهار.. وذلك دون أن تختلط هذه الأصوات ولا كلماتها ولا جزء منها ولا نبراتها.. وكذلك الحال مع الصور والألوان..
فهل يجوز ـ مع هذا الذي صنعه المخلوق الضعيف ـ الشك في شمول علم الله وسمعه على كل ما في الوجود، دونما اختلاط ولا تشويش؟!..
وإن جهاز "التلفاز" يستقبل ـ عبر الأثير ـ ملايين وبلايين الأصوات والصور والألوان والنبرات.. دون أن يحدث اختلاط بين هذه الأصوات ولا هذه الصور والألوان والنبرات..
وإن "الأثير" ـ الذي يشبه كتاب شفرة كوني ـ تسجل فيه كل الأصوات ـ أصوات البشر وغير البشر ـ منذ بدء الخلق وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وما عليها، وذلك دونما أي اختلاط أو تشويش بين هذه الأصوات ونبراتها ونغماتها وبصماتها، التي ستكون شاهدة على أصحابها أولهم يوم الدين..
وإذا كانت هذه هي قدرة الإنسان ـ النسبية المحدودة ـ في عالم الإرسال والاستقبال في "الفضائيات" فما بالنا بقدرة الخالق المبدع.. والذي أقدر الإنسان على صنع هذه العجائب.. التي ما كان يتصورها الأقدمون.. وفوق كل ذي علم عليم.. ويخلق ما لا تعلمون.. سبحانه وسع كل شيء علمًا..
ولقد أقامت أمريكا وكندا ونيوزيلندا أجهزة للرصد والتصنت على كل المكالمات التي تبث عبر أجهزة الاتصال في العالم، وهي تسجل كل المكالمات بكل اللغات لكل الأمم والشعوب، دون أن تختلط فيها الأصوات أو النبرات.. وهي تفرز المكالمات التي ترد فيها ألفاظ ومفردات قد تراها مستحقة للمراقبة والمتابعة والفحص والتحليل والاستخلاص..
فإذا كانت هذه هي قدرة العلم الإنساني ـ المحدود والمخلوق ـ فما بالنا بقدرة الخالق لهذا الإنسان، والواهب هذا العلم لهذا الإنسان؟!.. سبحانه وتعالى ليس كمثله شئ وهو السميع البصير..
إن وسوسة الشيطان تستغل الجهل بالعلم الإسلامي في أصول الدين، وهو العلم الذي ينزه الذات الإلهية عن مشابهة المخلوقات، فيصور الشيطان لهؤلاء الجاهلين الذات الإلهية وكأنها إنسان.. ثم يتساءل: كيف يعلم الله كل هذه الجزئيات التي لا تحصى من المخلوقات؟!..
والحل هو في إدراك معنى تنزيه الله ـ سبحانه وتعالى ـ عن مشابهة المخلوقات .. فهو الصانع لكل شيء ـ جزئيًا كان أو كليًا ـ ومن ثم فهو العالم بكل شيء.. وسبحان الله.. لقد ورد الرد القرآني على هذه الوسوسة: { وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوْ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ . أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الملك: 13، 14)