الشيخ الإمام ( الأستاذ الإمام محمد عبده ) دراسة لألفت جعفر بمجلة صباح الخير كتب الفت جعفر
العدد 2852 - الثلاثاء الموافق - 31 أغسطس 2010
يذكر الشيخ الإمام في أعماله الكاملة أن كل الكتابات التي كانت تلح علي ضرورة الحجاب في عصره ركزت علي «خوف الفتنة.. فهو أمر يتعلق بقلوب الخائفين من الرجال» وعلي من يخاف الفتنة منهم أن يغض بصره.ويضيف: إن آية غض البصر تتوجه إلي الرجال والنساء وأن المرأة «ليست بأولي من الرجل بتغطية وجهها».
ويتساءل: «عجبا. لِمَ لَمْ يؤمر الرجال بالتبرقع وستر وجوههم عن النساء إذا خافوا الفتنة عليهن؟.. هل اعتبرت عزيمة الرجل أضعف من عزيمة المرأة واعتبر الرجل أعجز من المرأة عن ضبط نفسه والحكم علي هواه.. واعتبرت المرأة أقوي منه في ذلك حتي أبيح للرجال أن يكشفوا وجوههم لأعين النساء مهما كان لهم من الحسن والجمال»؟!
إذن فقد كان شيخنا الإمام ضد تعدد الزوجات وضد الحجاب وليس ضد النقاب فحسب، وكان أول من تعامل مع اليهود وانفتح عليهم وآمن بدور الفن ورسالته.
ورغم أن الإمام محمد عبده كان شيخًا من شيوخ الأزهر إلا أنه كان مهمومًا بأمور الوطن؛ فقد شارك في ثورة «أحمد عرابي» ضد الإنجليز عام 1882مٍ ، وسُجِن ونُفي إلي بيروت وظل بها ثلاث سنوات. ولم يمنعه ذلك من مواصلة مشروعه التنويري والإصلاحي حيث سافر عام 1884م إلي باريس بدعوة من أستاذه ومُعلمه «جمال الدين الأفغاني»، وهناك أسس صحيفة «العروة الوثقي»، وبعدها أنشأ جمعية بنفس الاسم لتكون مركز انطلاق لمشروعه التنويري الشامل الذي كان له أثره البالغ في تمهيد الأجواء نحو نهضة فنية وموسيقية في مصر؛ فقد تميزت هذه الفترة بنهضة فكرية هائلة كانت الريادة فيها للمبدعين المصريين، ولم تنشأ هذه النهضة من فراغ، بل مهد لها كتابات الشيخ محمد عبده وغيره من رواد الفكر السياسي الذين وضعوا بدايات عصر التنوير والخروج من الجمود الفكري إلي التحرر السياسي والاجتماعي. وكان الشيخ الإمام من أوائل من شجعوا الموسيقار داود حسني عندما سمع موهبته الغنائية وتنبّأ له بمستقبل كبير في عالم الفن والموسيقي. وقد تحققت نبوءة الشيخ فيه؛حتي وصف النقاد الموسيقار داود حسني بأنه: «المؤسس الرئيسي للتراث الخالد لفن الموسيقي المصرية»، وكانت ليبرالية الشيخ محمد عبده وانفتاحه وإيمانه بالحرية كقيمة إنسانية وراء تشجيعه لموهبة داودحسني رغم كونه يهودي الديانة ولكن يكفيه أنه مصري»!
الواضح أنه ما كانت لتكون آراء الأستاذ الإمام متقدمة علي هذا النحو لولا إيمانه بأحد أهم أصول الأحكام في الإسلام ، وهو البعد عن التكفير، فقد أوضح أنه «مما اشتهر بين المسلمين وعرف من قواعد أحكام دينهم ، أنه إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه ، ويحتمل الإيمان من وجه واحد ، حمل علي الإيمان ولا يجوز حمله علي الكفر أبداً».
ولا يكاد يخطئ من زعم أنه قد تفشت في المسلمين سرعة التكفير بطريق العدوي من أهل الملل المتشددة ، وأن الذي سهل سريان العدوي بتلك السرعة الشديدة بين المسلمين هو جهلهم بأصول دينهم ومقوماته ، ولم يقف الجهل بهم عند تكفير من يخالفهم في مسائل الدين ، أو يذهب مذهب الفلاسفة أو ما يقرب من ذلك ، بل عدا بهم الجهل علي أئمة الدين وخَدَمة السنة والكتاب فقد حملت كتب الإمام الغزالي إلي غرناطة، وبعد ما انتفع بها المسلمون أزمانا هاج الجهل بأهل تلك المدينة وانطلقت ألسن مدعي العلم بالدين بتكفيره وتضليله ، فجمعت تلك الكتب خصوصاً نسخ « إحياء علوم الدين» ووضعت في الشارع العام في المدينة وأحرقت .
ويذكرنا الإمام أيضاً بمحكمة التفتيش الكنسية الرهيبة التي أنشئت لمقاومة العلم والفلسفة عندما خشوا ظهورهما بسبب تلاميذ ابن رشد وتلاميذ تلامذته خصوصاً في جنوب فرنسا وإيطاليا، فقد قامت هذه المحكمة بمراقبة المطبوعات ، وألزم كل مؤلف وكل ناشر أن يعرض مؤلفه أو ما يريد طبعه علي القسيس أو المجلس الذي عين للمراقبة، وقد أوقعت هذه المحكمة المقدسة من الرعب في قلوب أهل أوروبا ما خيل لكل من يلمح في ذهنه شيئا من نور الفكر إذا نظر حوله والتفت وراءه أن رسول الشؤم يتبعه وأن السلاسل والأغلال أسبق إلي عنقه ويديه من ورود الفكرة العلمية إليه، ولقد قامت هذه المحكمة بأعمالها حق القيام فقد حكمت منذ نشأتها سنة1481إلي سنة1808 علي ثلاثمائة وأربعين ألف نسمة ، منهم نحو مائتي ألف أحرقوا بالنار أحياء.
وقد يسأل سائل : أين يصنف بعض « علماء» المسلمين أنفسهم اليوم وقد أصدروا قرارات تكفير بحق مفكرين وكتاب عرب (وأوقعوا من الرعب في قلوبهم ما خيل لمن يلمح في ذهنه شيئا من نور الفكر إذا نظر حوله والتفت وراءه أن رسول الشؤم يتبعه وأن السلاسل والأغلال أسبق إلي عنقه ويديه من ورود الفكرة العلمية إليه !!) كما سبق وقال الشيخ الإمام محمد عبده..؟؟