أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
أزمة الفكر الديني وضرورات التجديد بقلم: نبيل عبدالفتاح نبيل عبدالفتاح
إن خطاب التعصب الديني والمذهبي إزاء الآخر من بعض رجال الدين الغلاة هو تعبير عن خلل في تكوين وإنتاج المؤسسات الدينية لرجال الدين المحترفين أن نظرات ثاقبة ولو عابرة علي السوق الدينية ونشطائها,
تكشف عن مخاطر جمة لعمليات تسييس الدين, والتلاعب به في المجال العام السياسي لمصالح سياسية واجتماعية لا تخطئها العيون البصيرة, وذلك حتي ولو أدي ذلك إلي تهديد وحدة الأمة, ومكانة الدولة وهيبتها ومعها أجهزتها علي اختلافها, وبما يدفع إلي تكريس انقسامات رأسية طائفية ودينية واجتماعية بغيضة علي نحو ما شاهدنا مرارا وتكرارا, وما سوف نراه مستقبلا أيضا! إن خطاب التعصب الديني والمذهبي إزاء الآخر من بعض رجال الدين الغلاة هو تعبير عن خلل في تكوين وإنتاج المؤسسات الدينية لرجال الدين المحترفين, الذين تركوا أدوارهم في التربية وتعليم المواطنين دينهم وعقائدهم وطقوسهم بالحسني, واللين والتدين الناعم الذي يكرس التسامح, ومحبة الله والأمة والآخرين, إلي خطاب الكراهية, والأحري خطاب السيطرة الرمزية علي الاتباع من خلال بناء الحواجز النفسية والانقسامات بين المواطنين علي أساس رأسي بين مسلمين وأقباط, ناهيك عن إنتاج ذاكرة طائفية ولا تاريخية للجماعة وبث ثقافة الكراهية والخوف بين الجمهور والعامة يجعل من رجل الدين, رجل سياسة محترفا ورسبوتيني الهوي والممارسات. هؤلاء جميعا يجب أن يعرفوا حدود دور رجل الدين, وما هي الخطوط الحمراء التي لا ينبغي لأحدهم الاقتراب منها, وهي وحدة الأمة المصرية حول الدولة الحديثة. هذا التردي الذي وصلت إليه الحالة الدينية هو أحد أعراض ظاهرة الجمود في الفكر الديني المصري الإسلامي والمسيحي. يمكننا رصد بعض الأسباب التي أدت إلي أزمة الفكر الديني الإسلامي السائد فيما يلي: 1- هيمنة مناهج التفكير النقلي والعقل النقلي التي تعتمد علي المقاربات اللغوية التقليدية لا الهيرمنطقية الجديدة وما بعدها للنصوص الفقهية والتفسيرية التقليدية. 2- إعادة إنتاج المقولات الرئيسية وفروعها وشروحها في العائلات والمدارس الفقهية السنية الحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية, وبعض النقول عن المذاهب أو المدارس الأخري كالشيعة أو الأباظية. في هذا الإطار تعتمد عملية إعادة الإنتاج علي عديد من الآليات, ومنها الآلية التعليمية التلقينية لطلاب المدارس والكليات الأزهرية. واعتماد الدرس الأزهري علي الحفظ والتكرار والتلاوة والتسميع للمنهج المدرسي, لا علي البحث والتحليل والمناظرة والنقد للمقولات, والربط بين المذاهب والمدارس الفقهية والتفسيرية والافتائية, وبين سياقاتها التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والجغرافية, ومن ثم الربط بين أسئلة الفتاوي وسياقاتها وعصرها, وإجاباتها, وما هو الجوهري وما هو العارض, وما هو الثابت وما هو المتغير في هذا النمط من الآراء والفتاوي والأفكار الإسلامية السنية ومدارسها الفقهية. 3- غلبة التفكير الدفاعي عن الإسلام في الرد علي بعض الآراء الاستشراقية, وذلك من خلال نمط خطابي يعتمد علي إعادة إنتاج مجموعة مقولات فقهية وتاريخية من داخل المنظومة الإسلامية, وليس من خلال التحليل النقدي السياسي والاجتماعي, وإنما عبر نمط خطابي يعتمد علي تمجيد الذات الجماعية الإسلامية, والخلط أحيانا بين الدفاع عن سلوكيات وتصورات بعض المسلمين عن المقدس الإسلامي, وبين المقدس ذاته تعالي وتنزه. 4- غياب استعارات وتمثلات في العمق للمناهج الحديثة وما بعدها في العلوم الاجتماعية, واستخدامها علي نحو خلاق في درس وتحليل الخطابات الإسلامية الوضعية في شتي مناشطها علي اختلافها, ولاسيما الخطاب التاريخي حول المذاهب والمدارس والآراء الفقهية, والتفسيرية والافتائية, وهو الأمر الذي أدي ضمن أسباب وعوامل أخري إلي استمرارية العقل النقلي, ومحمولاته ومداخله في فهم تاريخ المناهج والأفكار الإسلامية الفقهية. 5- ضعف التجارب والممارسة الفلسفية حول الإنسان وعلاقته مع الله والعالم والذات في ضوء أسئلة وإشكاليات راهنة, ومن منظورات فلسفية, وهو ما أدي إلي غياب مبحث فلسفي إسلامي معاصر يساهم في تجديد أسئلة علم الكلام التقليدي ومباحثه علي اختلافها. 6- المزايدات الراديكالية والسلفية, والسلفية الجهادية حول ماهية التفسير الصحيح للإسلام ونصوصه وقواعده وقيمه, ومن ثم النزاع الحاد علي الافتاء في القضايا المعاصرة من خلال منطق انتقائي ولا تاريخي يعتمد علي إيلاء الأولوية للتفسيرات الأكثر تشددا بدعوي أنها الأقرب إلي العقيدة والإيمان والقيم الإسلامية الصحيحة. 7- رهاب النقل لا الاجتهاد الذي يسيطر علي سوق الإنتاج الفقهي والفكري الإسلامي, حيث يسود الخوف من الاجتهاد والتجديد, وذلك بحسبان الموقف النقلي هو الذي انتصر تاريخيا علي الموقف العقلي والاجتهادي أو بتعبير أحد أكبر فقهاء القانون المدني المصري سمير عبد السيد تناغو-, انتصر الموقف السلفي علي الموقف المعتزلي. 8- ساهمت التسلطية السياسية في زرع قيم الامتثال والخضوع والانصياع للحاكم, في إنتاج نمط مواز لها هو التسلطية الدينية التي تكرس الخضوع والتواكلية والامتثال وإطاعة ولي الأمر المستبد. التسلطية الدينية كرست التوجه إلي محور التكاليف والالتزامات والواجبات من المنظور النقلي المفروضة علي المكلف المسلم, والتشديد لا التيسير كمنطق حاكم للخطاب حول التكاليف ومن ثم تراجع الخطاب حول حرية المسلم السياسية والفردية. 9- أدت التسلطية السياسية والتسلطية الدينية إلي بروز المثقف العسكريتاري والفقيه والمفتي والداعية التسلطي. كل التسلطيات السياسية والثقافية والدينية ساهمت في إنتاج سلطة السلفي العسكريتاري, والمفتي العسكريتاري, والسياسي الإسلامي العسكريتاري, وهم جميعا ذوو منازع انقلابية يحاولون الاستيلاء علي سلطة التفسير والتأويل, أي إيجاد كهانة وسلطة دينية مستعارة من خارج الأصول الإسلامية, ومن ثم فرض سلطة رجل الدين علي الجمهور بالمشاركة مع سلطة المستبد والعسكريتاري الانقلابي, كمرحلة ثم سحب البساط السياسي من تحته, وإزاحته حينما تحين الفرصة وتواتي رجل الدين التسلطي. ثمة ضرورات تطرح مسألة التجديد في المقاربة الدينية الوضعية المعاصرة لقضايا ومبادئ وأصول العقيدة والدين, يمكن لنا طرح بعضها تمثيلا لا حصرا فيما يلي: 1- الفوضي في الأسواق الدينية المحلية والوطنية والإقليمية والعولمية من حيث شيوع الغلو في التفسير والتأويل, والتركيز علي إشاعة بعض المرويات ذات المنزع الأسطوري, أو المهجور من بعض الآراء المذهبية والفقهية. 2- غياب سلطة أو سلطات معيارية إسلامية تتسم بالوسطية والاعتدال والسعي إلي إجابات تجديدية واجتهادية ترد علي أسئلة اللحظة التاريخية وطنيا وإقليميا وعولميا. 3- تآكل وزن ومصداقية بعض المؤسسات الدينية الوطنية, وهو ما أثر علي الأزهر