أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
تعقيب: هل نحن في حاجة لفقه جديد؟ بقلم: د. محمد محمود سعيد ... أستاذ ورئيس قسم القانون الجزائي بجامعة حلب
لم يفـــــارق رســـــول الله الحيـــــــــاة الا والقرآن جميعه محفــــــوظ في صدور الرجال نشرت جريدة الأهرام في عددها الصادر يوم الأربعاء الموافق الرابع من شهر أغسطس الماضي مقالا للأستاذ/ أحمد عبدالمعطي حجازي الأديب الشاعر والمفكر المثقف
بعنوان: نحن في حاجة لفقه جديد وتعقيبا عليه اورد الآتي: قال الأستاذ الكاتب في موضوع الأسماء الحسني, وقد رأي المعتزلة ان الانسان مسئول عما يفعل, وان مسئوليته تقتضي ان يكون حرا في اختيار طريقه وإلا فمحاسبته علي ما لم يكن له فيه خيار ظلم يتنزه عنه الله الحكم العدل. وأري ان هذا القول قد جعل من المعلول علة ومن العلة معلولها, كما انه يخالف رأي المعتزلة الذي بينه المسعودي في مروج الذهب, ويخلص في ان الله تعالي لا يخلق افعال العباد بل يفعلون ما أمروا به وما نهوا عنه بالقدرة التي ركبها الله فيهم, وانه لم يكلفهم ما لا يطيقون, ولو شاء لجبر الخلق علي طاعته ومنعهم اضطرارا عن معصيته, لكنه لا يفعل وقد رد المعتزلة بهذا علي الجبرية الذين قالوا إن العبد في افعاله غير مختار, وقال ايضا, والعدل صفة من صفات الله, وهذه الصفات لا تتميز عن الذات, لأن التميز تعدد والتعدد شرك وضلال, وعلي هذا الأساس بني المعتزلة رأيهم في القرآن فقالوا, إنه مخلوق وليس قديما, ويعلم الأستاذ الكاتب ان موضوع الأسماء والصفات قد شغل أهل الديانات السابقة علي الإسلام فيحكي البيروني عن حكماء الهنود الذين رأوا ان العالم سرمد, وان العلم طارئ يكون لما لم يكن بمعلوم, والخالق يجل عن التمكن, والفرق بينه وبين العلماء الذين تكلموا هو الزمان, فيه تعلموا وتكلموا بعد أن لم يكونوا عالمين ولا متكلمين, وأورد الشهرستاني آراء فلاسفة اليونان في الأسماء والصفات, ومنها رأي سانباد قليس القائل: إن الباري هو العلم المحض والإرادة المحضة وهو العزة والقدرة والعدل والخير والحق, فليست هناك قوي مسماة بهذه الأسماء بل هي: هو, وهو: هذه كلها وقول المعتزلة: إن الله تعالي عالم بذاته, وقادر بذاته لا بعلم وقدرة وحياة, وهي صفات قديمة ومعان قائمة لأنه لو شاركته الصفات في القدم لشاركته الالوهية التي انتهت بهم إلي قولهم إن كلامه تعالي محدث مخلوق في محل ليس سوي ترديد لما قاله فلاسفة الديانات القديمة, كذلك فإن القول: بخلق القرآن, لم يكن من إنشاء المعتزلة, فقد قاله قبلهم الجعد بن درهم وقالها الجهم بن صفوان, والصحيح أن المعتزلة نفوا عن الله صفات المعاني, وأولوا ما ذكر في القرآن بشأنها علي انه اسماء للذات العلية وليس وصفا لها. ولعل اخطر ما ورد في مقال الأستاذ الكاتب هو ما تعلق بذكره وسيلة المعتزلة في الوصول إلي القول بخلق القرآن, وهي استخلاصهم من نزول القرآن بلغة بشرية تخضع لقوانين التغير, والتطور نتيجة تتمثل في خضوع القرآن الكريم لهذه القوانين, وهو ما كان سببا لاختلاف المصاحف مما دعا عثمان بن عفان إلي طلبه من بعض الصحابة الاتفاق علي نص موحد للقرآن, ويؤخذ علي هذا القول انه اخطأ بتقريره تأثر القرآن بالقوانين التي تحكم لغات البشر, فقد خلط بين القرآن الكريم وبين تلاوته وتدوينه بحروف مصورة بالمداد, فالقرآن الكريم لم يتغير ولم تجر عليه القوانين التي تحكم اللغات, أما النطق به أو تلاوته فهو محدث لأنه وصف للقارئ أو عمل من اعماله يتأثر بما يجري علي لغته من القوانين, وكذلك تدوينه بالحروف المصورة بالمداد في المصاحف, ويؤخذ عليه ايضا انه خلط بين اللغة العربية ولغة قريش, فاللغة العربية التي نزل بها القرآن هي احدي اللغات السامية الجنوبية, وهذه تنقسم إلي شمالية وجنوبية, والشمالية هي: الصفوية والتمودية واللحيانية والعربية الفصحي لغة قريش, والجنوبية هي لغات بلاد اليمن: المعينية والسبئية والحضرمية والقتبانية والأوسانية, ولغات الحبشة( اثيوبيا), وهي: الجعز والاجهرية والتيجري والتجرينيا والهررية والجراجوي, ومن معرفة ماهية اللغة العربية تتضح علة وقوع اختلافات في تدوين القرآن بالحروف المصورة بأيدي كتبة الوحي, هذا فضلا عن أن اللغة العربية ـ مثل جميع اللغات السامية ـ مؤلفة من اصول ثلاثية الأحرف ثابتة في الاشتقاق, بمعني انه لا يؤثر علي احرفها, مثال هذا أن قتل ـ وهو اصل يتضمن معني القتل ـ يتحقق بتغيير الحركات فيه اشتقاق عدة افعال ونعوت واسماء مثل قتل( فعل ماض معلوم) وقتل( فعل ماض مجهول), وقتل( مصدر), كما قد تمد إحدي الحركات فيقال قاتل, وقتيل وبهذا يمكن تفسير اشد صور الاختلاف في التدوين المقول بها وهي في قوله تعالي: ذلك عيسي بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون[ مريم34], فقد قرأ عبدالله قال الحق وقرأ الحسن قول الحق بضم القاف, ومعلوم إن القول والقال والقول بمعني واحد( القرطبي): الجامع لاحكام القرآن. وفي شأن الاعتقاد في انه لم يكن ثم اتفاق علي نص موحد للقرآن الكريم إلي أن كان من عثمان بن عفان من جمع المسلمين علي مصحف واحد. فالثابت المعلوم ان جبريل عليه السلام قد عرض علي رسول الله في العام الأخير من حياته القرآن مرتين, وقرأه الرسول علي المؤمنين حسب العرضة الأخيرة فحفظه كثير من الصحابة مرتبا حسب هذه العرضة, وبها كتب في الرقاع والعسب واللخاف والاكتاف وقطع الاديم, ولم يفارق رسول الله الحياة الا والقرآن جميعه محفوظ في صدور الرجال, ومنهم زيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وابي بن كعب وعثمان وعلي بن ابي طالب والثابت المعلوم ان أول جمع للقرآن كان في اول خلافة أبي بكر بتوجيه من عمر, بعد مقتل أهل اليمامة, وبهذا الجمع حفظ القرآن وجمعت اصوله في مكان واحد واتصل السند الكتابي بأخذ الصحف البكرية من الصحف التي كتبت بين يدي رسول الله صلي الله عليه وسلم, كما اتصل السند المتواتر في الرواية والتلقي عن الحفاظ, فيكون القرآن الكريم متواترا حفظا وكتابة, وهذه الصحف هي التي وضعت من بعد أبي بكر عند عمر ثم عند حفصة بنت عمر إلي ان طلبها منها عثمان, اما الصحف الأخري التي جمعها اصحابها لأنفسهم مثل مصحف أبي بن كعب وعبدالله بن مسعود وابي موسي الأشعري والمقداد بن الأسود التي انتشرت في بعض أقاليم الدول الإسلامية فكان الاختلاف بينها متمثلا في عدم اشتمال بعضها علي القرآن كله, بأن كان في بعضها ما ليس في الآخر, كما كان بعضها قراءات واحرفا تلقاها صاحبها عن رسول الله قبل العرضة الأخيرة, وهو ما أدي إلي اختلاف في القراءة بين أهل الامصار, اما ما كان من عثمان من بعد جمعه الصحابة ومشاوراتهم في الأمر, من طلبه من زيد بن ثابت وعبدالله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام ان ينسخوا المصاحف من صحف حفصة, وأمره إياهم إذا اختلفوا في شيء ان يكتبوه بلغة قريش, فإنه لم يزد علي كونه جمعا لما كان متفقا عليه نصا موحدا للقرآن في الصحف التي جمعت في خلافة أبي بكر عن العرضة الأخيرة للقرآن. اما القول بأن الله تعالي خلق الفكرة ثم اوحي بها إلي الرسول فعبر عنها بلغته ـ التي وصفها الأستاذ الكاتب بأنها المنهج القويم ـ فهو قول يغفل دلالة قوله تعالي: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون[ الحجر9], كما انه يفيد المشابهة بين القرآن الكريم وبين الأناجيل الأربعة التي دونها ـ لدي أهل الإنجيل ـ كتبتها بوحي من الله, وبين الاحاديث الصادرة من الرسول, القدسية منها والنبوية.