الوصول الى الميقات أيها الحاج المبارك: لقد شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاصد الحج أماكن مخصوصة يحرم منها لحج بيت الله الحرام..تسمى تلك الأماكن: (مواقيت الحج المكانية)..وهناك أمور وأحكام ينبغي للحاج أن يفعلها عند وصوله إلى الميقات المحدد له..
- يسن له أن يغتسل ويتطهر ويتنظف بحلق شعر العانة والإبطين وتقليم الأظافر وقص الشارب ونحو ذلك.حتى الحائض والنفساء تغتسل وتتنظف لإحرامها.
- يستحب له أن يلبّد رأسه كما روى ذلك ابن عمر رضي الله عنهما ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلّ ملبداّ ) رواه البخاري ومسلم.
- ثم يلبس ثياب الإحرام، إن كان رجلاً يتجرد من المخيط ويلبس إزاراً ورداءً وإن كانت امرأة فإنها تلبس ما شاءت من الثياب إلا أنها لا تتبرج بجميل الثياب، أي: لا تلبس ثياباً جميلة، تلبس ما شاءت، ولا تلبس النقاب ولا القفازين.
- ويستحب لمن أراد الإحرام أن يتطيب في بدنه بأطيب ما يجد من الدهن والمسك ، والمرأة تتطيب بطيب لا تظهر رائحته لئلا يشم ذلك الرجال، تقول عائشة رضي الله عنها: " كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت " متفق عليه. وتقول رضي الله عنها: " كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فنضمد جباهنا بالمسك المطيب عند الإحرام، فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا" رواه أبوداود وقال النووي: إسناده حسن.
ويكون الطيب في البدن فقط، فلا يجوز تطييب ملابس الإحرام، فإن طيبها فليغلسلها أو يغيرها.
- ثم إن كان الوقت وقت صلاة مفروضة صلى الفريضة إذا جاء وقتها ثم أحرم عقبها، وإن لم يكن وقت صلاة الفريضة فلا بأس أن يصلي الصلاة المشروعة، إن كان في الضحى فصلاة الضحى، وإن كان في الليل فصلاة الليل، وإن كان في وقت آخر صلى سنة الوضوء ، لما جاء في الحديث الصحيح : " أتاني آت من ربي وقال: صَلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة" رواه البخاري.
- فإذا أتم استعداده للدخول في الإحرام، ينوى بقلبه النسك الذي يريد فـ( إنما الأعمال بالنيات )، ويتلفظ بالتلبية قائلا: (لبيك اللهم عمرة)، أو (لبيك حجاً) أو ( لبيك عمرة وحجاً ) حسب النسك الذي يريد، ثم يلبي بتلبية النبي صلى الله عليه وسلم وهي: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)) متفق عليه.
- أما ابتداء الإحرام فقيل يستحب الإحرام عقب الصلاة ، وقيل إذا ركب راحلته واستوت به. وذلك لدلالة الأحاديث على هذين الأمرين. فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " أهل النبي صلى الله عليه وسلم حين استوت به راحلته" رواه البخاري ومسلم. قال النووي رحمه الله: " الأصح عندنا أنه يستحب إحرامه عند ابتداء السير، وانبعاث الراحلة. وبه قال مالك والجمهور من السلف والخلف. "[1] ، قال الأثرم : سألت أبا عبد الله ـ أي الإمام أحمد ـ ، أيما أحب إليك : الإحرام في دبر الصلاة ، أو إذا استوت به راحلته ؟ فقال : كل ذلك قد جاء ، في دبر الصلاة ، وإذا علا البيداء ، وإذا استوت به ناقته ، فوسع في ذلك كله ... قال ابن قدامة: فكيفما أحرم جاز ، لا نعلم أحداً خالف في ذلك ."[2]
- وهكذا يكون قد دخل في الإحرام ، فيتنبه من الوقوع في محظوراته، أو القيام بما يخل بعمله أو يفسد عليه نسكه. ويكثر من التلبية والتهليل والتحميد والذكر والدعاء.
للواصل إلى الميقات حالان:
ثم اعلم أيها الحاج الفاضل" أن الواصل إلى الميقات له حالان:
- إحداهما: أن يصل إليه في غير أشهر الحج، كرمضان وشعبان، فالسُنّة في حق هذا أن يحرم بالعمرة فينويها بقلبه ويتلفظ بالتلبية قائلا: (لبيك عمرة)، أو (اللهم لبيك عمرة)، ثم يلبي بتلبية النبي صلى الله عليه وسلم وهي: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)) رواه البخاري (1549)، ومسلم (1184) [3] " يصوّت بها الرجل بصوت مرتفع، وأما المرأة فلا تجهر بها إلا بقدر أن يسمع من بجنبها، ويستمر في هذه التلبية إلى أن يشرع في الطواف"[4]. " ويكثر من هذه التلبية، ومن ذكر الله سبحانه حتى يصل إلى البيت، فإذا وصل إلى البيت قطع التلبية، وطاف بالبيت سبعة أشواط، وصلى خلف المقام ركعتين، ثم خرج إلى الصفا وطاف بين الصفا والمروة سبعة أشواط، ثم حلق رأسه أو قصره، وبذلك تمت عمرته وحل له كل شيء حرم عليه بالإحرام.
- الثانية: أن يصل إلى الميقات في أشهر الحج، وهي: شوال، وذو القعدة، والعشر الأول من ذي الحجة. فمثل هذا يخير بين ثلاثة أشياء، وهي الحج وحده، والعمرة وحدها، والجمع بينهما ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصل إلى الميقات في ذي القعدة في حجة الوداع خيّر أصحابه بين هذه الأنساك الثلاثة، لكن السُنّة في حق هذا أيضاً إذا لم يكن معه هدي أن يُحرم بالعمرة، ويفعل ما ذكرنا في حق من وصل إلى الميقات في غير أشهر الحج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه لما قربوا من مكة أن يجعلوا إحرامهم عمرة، وأكد عليهم في ذلك بمكة، فطافوا وسعوا وقصروا وحلوا امتثالاً لأمره صلى الله عليه وسلم، إلا من كان معه الهدي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يبقى على إحرامه حتى يحل يوم النحر، والسُنّة في حق من ساق الهدي أن يحرم بالحج والعمرة جميعاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعل ذلك، وكان قد ساق الهدي، وأمر من ساق الهدي من أصحابه وقد أهل بعمرة "[5]. ويجوز له أن يحرم بالحج وحده مفرداً.
كيف يحرم راكب الطائرة والبحر:
1- يغتسل في بيته ويبقى في ثيابه المعتادة، وإن شاء لبس ثياب الإحرام.
2- فإذا اقتربت الطائرة من محاذاة الميقات لبس ثياب الإحرام إن لم يكن لبسها من قبل.
3- فإذا حاذت الطائرة الميقات نوى الدخول في النسك، ولبى بما نواه من حج أو عمرة.
4- فإن أحرم قبل محاذاة الميقات احتياطاً خوفاً من الغفلة، أوالنسيان فلا بأس".[6]
"ولا يحل له أن يؤخر الإحرام حتى يجاوز الميقات، فإن فعل: فإن كان متعمداً فهو آثم وعليه الفدية شاة يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء، وإن فعل ذلك جاهلاً فلا إثم عليه؛ لأنه معذور بجهله لكن عليه الفدية جبراً لما نقص من إحرامه شاة يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء...".[7]
وكذلك من كان في سفينة في البحر فإنه يُحرم إذا حاذى الميقات، هذا إذا كان يعرف حذو الميقات.
ومن سلك طريقاً ليس فيه ميقات ولا يعرف حذو الميقات: فإنه يُحرم قبل الميقات بكثير حتى يتيقن أنه حاذى الميقات وهو محرم، فمثلاً إذا ركب الطائرة وكانت لا تعلن الطائرة إذا حاذت الميقات، فإنه يُحرم إذا صعد إلى الطائرة.
من مر بالميقات لا يريد حجاً ولا عمرة:
من مَرّ بالمواقيت وهو لا يريد حَجّاً ولا عمرة، ثم بدا له بعد ذلك أن يعتمر أو يحج فإنه يُحرم من المكان الذي عزم فيه على ذلك؛ لأن في «الصحيحين» من حديث ابن عباس رضي الله عنهما في ذكر المواقيت قال: ومن كان دون ذلك فَمِن حيث أنشأ. وإذا مرّ بهذه المواقيت وهو لا يريد الحج ولا العمرة وإنما يريد مكة لغرض آخر كطلب علم، أو زيارة قريب، أو علاج مرض، أو تجارة أو نحو ذلك فإنه لا يجب عليه الإحرام إذا كان قد أدى الفريضة، لحديث ابن عباس السابق وفيه: ((هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة))، فإن مفهومه أن من لا يريدهما لا يجب عليه الإحرام.
وإرادة الحج والعمرة غير واجبة على من أدى فريضتهما، وهما لا يجبان في العُمرِ إلا مرة واحدة، لقول النبي صلى الله عليه وسلّم حين سُئل هل يجب الحج كل عام؟ قال: ((الحج مرة فما زاد فهو تطوع)).
والعمرة كالحج لا تجب إلا مرة في العمر.
لكن الأولى لمن مر بالميقات أن لا يدع الإحرام بعمرة أو حج إن كان في أشهرهِ، وإن كان قد أدى الفريضة ليحصل له بذلك الأجر، ويخرج من الخلاف في وجوب الإحرام عليه.[8]
والحمد لله رب العالمين