الوصول إلى مكة وصفة العمرة الوصول إلى مكة وصفة العمرةإذا وصل المحرم إلى مكة ، فهو إما أن يكون محرماً بالعمرة ، أو بالحج ، أو بهما جميعاً.
وسوف نتحدث هنا عما يندب فعله لكل محرم عند دخول مكة شرفها الله، ثم نفرد الحديث عن صفة العمرة لمن قدم محرماً بالعمرة.
1- الاغتسال:
يستحب أن يغتسل المحرم رجلاً كان أو امرأة لدخول مكة، ومذهب المالكية والشافعية هو استحباب الغسل في ذي طوى عند دخول مكة للطواف، وذي طوى مكان في أسفل مكة صوب مسجد عائشة، ويسمى في وقتنا الحاضر بـ(الزاهر)، والدليل على ذلك ما رواه نافع قال: "كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية، ثم يبيت بذي طوى، ثم يصلي به الصبح ويغتسل، ويحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك" رواه البخاري (1573) قال ابن حجر رحمه الله في الفتح: "قال ابن المنذر: الاغتسال عند دخول مكة مستحب عند جميع العلماء، وليس في تركه عندهم فدية، وقال أكثرهم: يجزئ منه الوضوء، وفي "الموطأ" أن ابن عمر كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من احتلام، وظاهره أن غسله لدخول مكة كان لجسده دون رأسه، وقال الشافعية: إن عجز عن الغسل تيمم، وقال ابن التين: لم يذكر أصحابنا الغسل لدخول مكة، وإنما ذكروه للطواف، والغسل لدخول مكة هو في الحقيقة للطواف"[1].
وذهبوا إلى أنه يستحب هذا الغسل بذي طوى إن كانت في طريقه، وإلا اغتسل في غير طريقها من نحو مسافتها، وأما الأحناف فيرون استحباب الغسل عند دخول مكة مطلقاً من غير تحديد موضع.
2- الدخول من الثنية العليا:
يستحب دخول مكة من الثنية العليا التي تشرف على الحجون، وتسمى ثنية (كدا) بفتح الكاف والمد، وإذا خرج راجعاً إلى بلده خرج من ثنية (كدا) بضم الكاف والقصر والتنوين؛ وهي بأسفل مكة بقرب جبل قعيقان، وقال بعضهم: يستحب الخروج إلى عرفات من هذه الثنية أيضاً - ثنية كُدَا -.
(هذا) والمذهب الصحيح الذي عليه المحققون أن الدخول من الثنية العليا مستحب لكل داخل سواء كانت جهة طريقه أم لم تكن؛ فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل منها، ولم تكن في طريقه، والدليل على ذلك ما رواه نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان يخرج من طريق الشجرة، ويدخل من طريق المعرس، وإذا دخل مكة دخل من الثنية العليا، ويخرج من الثنية السفلى" رواه مسلم (3099).
3- التحفظ من إيذاء الناس:
وينبغي لمن أراد الدخول إلى مكة أن يراعي كثرة الناس وزحمتهم، وأن الزحمة ضرورة يُحتِّمها الموقف، فعليه أن يرحم الصغير والمسن والمرأة من مزاحمته وإيذائه، ويلاحظ بقلبه جلال البقعة التي هو فيها، والتي هو متوجه إليها، ويعذر من زاحمه، وليتذكر أن الرحمة لم تنزع إلا من شقي ولو كان من الحُجاج، ويدخل خاشع القلب، خاضع النفس، ذليلاً لربه؛ لأنه في حرمه، متوجه إلى بيته.
4- دخول المسجد الحرام وصفة الدخول:
ويستحب لمن دخل المسجد الحرام أن يقدم رجله اليمني، ثم يدعو بدعاء دخول المسجد فعن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه كان إذا دخل المسجد قال: ((أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم)) قال: أقط، قلت: نعم، قال: ((فإذا قال ذلك قال الشيطان حفظ منى سائر اليوم))[2]، وفي رواية الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم وقال: "رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك"، وإذا خرج صلى على محمد وسلم وقال: "رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك"[3].
وينبغي إذا دخل المسجد ألا يشتغل بصلاة تحية المسجد ولا غيرها، بل يقصد الحجر الأسود، ويبدأ بطواف القدوم وهو تحية المسجد الحرام، والطواف مستحب لكل داخل محرماً كان أو غير محرم، إلا لأداء الصلاة المكتوبة أو قضائها، أو فوات الجماعة فيها، أو فوات الوتر أو سنة الفجر وغيرها من السنن الراتبة، فيقدم كل ذلك على الطواف ثم يطوف.
صفة العمرة
مذهب الأحناف أن العمرة لها ركن واحد وهو الطواف بالبيت.
ومذهب المالكية والحنابلة أن أركان العمرة هي: الإحرام، والطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة.
ومذهب الشافعية أن العمرة لها أربعة أركان وهي: الإحرام، والطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، والحلق أو التقصير.
والذي يظهر أن الحلق أو التقصير واجب عند الجمهور خلافاً للشافعية الذين قالوا بأنه ركن.
أولاً: الطواف:
- تشترط الطهارة من الحدث لصحة الطواف على قول جمهور أهل العلم.
- يضطبع الرجل (بأن يبرز كتفه الأيمن، ويجعل وسط ردائه تحت إبطه، وطرفيه على كتفه الأيسر)، ومن السنة كذلك "الرَّمل" (وهو إسراع المشي مع مقاربة الخطى) في الثلاثة الأشواط الأولى، دون الأربعة الباقية.
- يبدأ المعتمر الطواف من الحجر الأسود، وليحرص على تقبيله تعظيماً لله عز وجل، واقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، مع العلم أنه مجرد حجر لا يضر ولا ينفع كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك" رواه البخاري (1610).
وليكن أشد حرصاًَ على تجنب الزحام حتى لا يعرض نفسه وغيره للأذى، ولأن الزحام يؤدي إلى ذهاب الخشوع والخضوع، وقد يؤدي إلى الجدال والمقاتلة، فإن لم يتيسر له التقبيل مسح عليه كما قال نافع: "رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده، ثم قبَّل يده، وقال: ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل" رواه مسلم (1268).
فإن لم يتسن له تقبيل الحجر الأسود؛ فليكتفي بالإشارة إليه ولو من بعيد لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت على بعير كلما أتى على الركن أشار إليه" رواه البخاري (1534)، ثم يبدأ بالطواف جاعلاً الكعبة عن يساره، وكلما مرَّ على الركن اليماني استلمه بدون تقبيل قارئاً بين الركن اليماني والحجر الأسود قوله تعالى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (سورة البقرة:201)، وكلما مرَّ على الحجر الأسود فعل مثل ما ذكرناه سابقاً، ويجوز له أن يدعو في طوافه بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، ويجوز له قراءة القرآن، والاشتغال بالذكر والعبادة، ويتجنب الاعتداء في الدعاء، والتكلف فيه، ويجتنب الانشغال بغير العبادة، والضحك والمزاح، والغيبة والنميمة، والنظر إلى النساء، فإن هذا المكان معظَّم مبجَّل، ولا يحتمل وقوع مثل هذه التصرفات من العبد في غير هذا المكان، فكيف إذا كان داخل بيت الله الحرام، وليحذر المعتمر من الطواف داخل الحِجْرِ فإنه من أصل الكعبة، ومن صلى داخل الحجر فكأنه صلى بداخلها، ومما يحذر منه وسوسة الشيطان الرجيم للعبد فقد يخيل إليه أنه زاد في الطواف أو أنقص منه، ولذلك على العبد أن يحرص على ضبط طوافه باتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وضبط عدده.
فإذا أتمَّ المعتمر سبعة أشواط ذهب وصلى ركعتين خلف مقام إبراهيم عملاً بقول الله تعالى: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (سورة البقرة:125)، يقرأ في الركعة الأولى بالفاتحة وسورة الكافرون، ويقرأ في الركعة الثانية بالفاتحة وسورة الإخلاص يقول جابر رضي الله عنه: "ثم رجع إلى الركن فاستلمه" رواه مسلم برقم (1218)؛ أي رجع إلى الحجر الأسود واستلمه.
ثانياً: السعي بين الصفا والمروة:
ثم يخرج المعتمر إلى المسعى ليسعى بين الصفا والمروة، فإذا دنا من جبل الصفا قرأ قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} (البقرة:158)، ثم يرقى على الصفا حتى يرى الكعبة فيستقبلها، ويرفع يديه فيحمد الله، ويدعو بما شاء أن يدعو، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم هنا: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده))[4]، يكرر ذلك ثلاث مرات، ويدعو بينها، ثم ينزل من الصفا إلى المروة ماشياً حتى يصل إلى العمود الأخضر؛ فإذا وصله؛ أسرع إسراعاً شديداً بقدر ما يستطيع إن تيسر له بلا أذية، حتى يصل العمود الأخضر الثاني، ثم يمشي على عادته حتى يصل المروة، فيرقى عليها، ويستقبل القبلة، ويرفع يديه، ويقول ما قاله على الصفا[5].
والمشي من الصفا إلى المروة يعتبر شوطاً، والمجيء من المروة إلى الصفا تعتبر شوطاً، وعلى المعتمر أن يتم سبعة أشواط بناءً على ما ذكرناه.
وأصل مشروعية السعي بين الصفا والمروة مأخوذ من طواف هاجر أم إسماعيل في طلب الماء كما في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل، وتشرب من ذلك الماء؛ حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى أو قال يتلبط، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً فلم تر أحداً، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى إذا جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها، ونظرت هل ترى أحداً فلم تر أحداً، ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس: "قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذلك سعي الناس بينهما، فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً فقالت: صه تريد نفسها، ثم تسمعت فسمعت أيضاً، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، ففجت بعقبه أو قال بجناحه حتى ظهر الماء)) رواه البخاري (3184).
ثالثاً: الحلق أو التقصير:
فإذا أتم المعتمر سبعة أشواط فإنه ينتهي بالمروة، ويبقى عليه أن يحلق رأسه أو يقصر، والحلق أفضل، إلا أن يكون متمتعاً للحج فإن الأفضل في حقه التقصير، وأما المرأة فتقصر من شعرها، وتأخذ منه قدر أنملة ولا تحلق.
ويجب أن يكون الحلق أو التقصير شاملاً لجميع شعر الرأس، ولا يقتصر على شعرات ظناً منه أنه قد أتى بالواجب، بل الواجب أن يعم الحلق أو التقصير جميع الرأس.
وبهذا يكون المعتمر قد أنهى عمرته، ويجوز له أن يتمتع بما شاء مما كان محرماً عليه وقت إحرامه، مستحضراً نعمة الله عليه، شاكراً له، طالباً المزيد من فضله ونواله.
والحمد لله رب العالمين،