أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
من أسرار القرآن(367) السبت الموافق 30 أكتوبر 2010 م 22 ذي القعدة 1431 ه [....فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره....] هذا النص القرآني الكريم جاء في مطلع النصف الثاني من سورة' البقرة', وهي سورة مدنية, وآياتها مائتان وست وثمانون(286) بعد البسملة, وهي أطول سور القرآن الكريم علي الإطلاق.
وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي معجزة أجراها ربنا_ تبارك وتعالي_ علي يدي عبده ونبيه موسي بن عمران- علي نبينا وعليه من الله السلام_ حين تعرض شخص من قومه للقتل, ولم يعرف قاتله, فأوحي الله_ تعالي- إلي عبده موسي أن يأمر قومه بذبح بقرة, وأن يضربوا الميت بجزء منها فيحيا بإذن الله, ويخبر عن قاتله, ثم يموت, وذلك إحقاقا للحق وشهادة لله الخالق بالقدرة علي إحياء الموتي. ويدور المحور الرئيسي لسورة' البقرة' حول قضية التشريع الإسلامي في العبادات, والأخلاق, والمعاملات, وإن لم تغفل هذه السورة الكريمة الإشارة إلي عدد من ركائز العقيدة الإسلامية, وقصص عدد من الأنبياء وأممهم. هذا, وقد سبق لنا استعراض سورة' البقرة' وما جاء فيها من التشريعات, وركائز العقيدة, والعبادات, ومكارم الأخلاق, والقصص والإشارات الكونية, ونركز هنا علي الحكمة من جعل التوجه إلي الكعبة المشرفة( استقبال القبلة) فرضا من فروض الصلاة وشرطا من شروط صحتها, لا تصح الصلاة بدونه إلا ما جاء في صلاة الخوف والفزع, وفي صلاة النافلة علي الدابة, أو السفينة, أو الطائرة وذلك للأمر الإلهي إلي خاتم أنبيائه ورسله- صلي الله عليه وسلم- بذلك حيث يقول ربنا_ تبارك وتعالي- له:[.... فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره...]( البقرة:144). من أوجه الإعجاز التشريعي في استقبال الكعبة المشرفة: أولا: تأكيد ضرورة توحيد المسلمين وجمع كلمتهم علي التوحيد الكامل للإله الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ( بغير شريك, ولا شبيه, ولا منازع, ولا صاحبة ولا ولد). فكما أن البيت المعمور هو قبلة أهل السماء فإن البيت العتيق هو قبلة أهل الأرض. ثانيا: أن الكعبة المشرفة هي أول بيت وضع للناس في الأرض من أجل عبادة الله الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ حيث أمر الله الملائكة ببنائها قبل خلق أبينا آدم ـ عليه السلام ـ ببلايين السنين وذلك لقول رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم: (1)' أول من طاف بالبيت الملائكة'( أحمد). (2)' كانت الكعبة خشعة علي الماء فدحيت منها الأرض'( الهروي, الزمخشري, البيهقي, عبدالرزاق). (3)' دحيت الأرض من تحت مكة, فمدها الله تعالي ـ من تحتها فسميت( أم القري)'( الإمام أحمد, السيوطي). وهذا المد كان في بدء تكوين الكتل القارية للأرض.(4) وفي شرح هذين الحديثين الشريفين ذكر كل من ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وابن قتيبة ـ رحمه الله ـ أن مكة المكرمة سميت باسم' أم القري' لأن الأرض دحيت من تحتها لكونها أقدم الأرض'( البيهقي, الطبراني). (5) كذلك أخرج كل من البيهقي والطبراني عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ موقوفا أنه( أي البيت الحرام) كان أول ما ظهر علي وجه الماء عند خلق السموات والأرض زبدة( بفتح الزاي أي كتلة من الزبد) بيضاء فدحيت الأرض من تحته ولعل ذلك يفسر قول الحق_ تبارك وتعالي-:[ إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدي للعالمين]( آل عمران:96). ثالثا: لذلك شرع الله ـ تعالي ـ الحج إلي بيته العتيق, وجعله ركنا من أركان الإسلام, كما جعله حقا لذاته العلية علي كل مسلم, بالغ, عاقل, حر, مستطيع, ولو لمرة واحدة في العمر, وهو من الفرائض المعلومة من الدين بالضرورة لقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ في محكم كتابه:[ ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين]( آل عمران:97). رابعا: أكدت المعارف المكتسبة توسط مكة من اليابسة واستقامة خط الطول المار بها مع الشمال الحقيقي دون أدني انحراف مغناطيسي, وهي خاصية محددة لهذه البقعة المباركة. كذلك أكدت آيات القرآن الكريم وأحاديث المصطفي ـ صلي الله عليه وسلم ـ أن مكة المكرمة ليست فقط في مركز يابسة الأرض, بل هي في موقع مميز من الكون كله وفي ذلك يقول المصطفي ـ صلي الله عليه وسلم: (1)' البيت المعمور بيت في السماء يقال له الضراح وهو علي منا الكعبة'( البيهقي, الأرزقي). (2)' يا معشر أهل مكة إنكم بحذاء وسط السماء'( الفاكهي). (3)' إن الحرم حرم مناء من السموات السبع والأراضين السبع'( الأرزقي). خامسا: تؤكد آيات القرآن الكريم توسط الكرة الأرضية من السموات وذلك بقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ (1) يا معشر الجن الإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان( الرحمن:33) واجتماع أقطار السموات_ علي ضخامتها ـ مع أقطار الأرض علي ضآلتها يؤكد مركزية الأرض من الكون. (2) ـ في عشرين آية قرآنية كريمة جاء ذكر البينية الفاصلة بين السموات والأرض وذلك من قوله ـ تعالي ـ[ رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا]( مريم:65). وهذه البينية لا تتحقق إلا إذا كانت الأرض في مركز السموات السبع, فإذا كانت الأرض في مركز السموات السبع, وكانت الأرضون السبع كلها في أرضنا هذه, وكانت الكعبة المشرفة في مركز الأرض الأولي( وهي اليابسة) اتضح تفرد موقع الكعبة المشرفة بالنسبة للكون كله, خاصة إذا أكد رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ أن البيت المعمور يقع فوق الكعبة تماما حتي إذا خر خر فوقها. سادسا: والكعبة المشرفة تعرضت للهدم بعد بنائها الأول عدة مرات حتي كان زمن نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ فبوأ له الله ـ تعالي ـ مكان البيت, وأمره أن يرفعه من قواعده, وأن يؤذن في الناس بالحج, وأن يطهر هذا البيت(... للطائفين والقائمين والركع السجود) ففعل ما أمر به وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالي[ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم]( البقرة:128,127). ويقول:[ وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ألا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلي كل ضامر يأتين من كل فج عميقق يشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات علي ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق]( الحج:26-29). سابعا: إن قدم عبادة الحج تؤكد حرمة الكعبة المشرفة فقد شرع ربنا_ تبارك وتعالي- حج البيت لأبينا آدم_ عليه السلام_ كما شرعه لذريته من بعده, ولجميع من أرسلوا لهداية البشرية من الأنبياء والمرسلين فمن الثابت من أحاديث رسول الله_ صلي الله عليه وسلم_ أن جميع الأنبياء والمرسلين وغيرهم من عباد الله الصالحين قد قدموا إلي الحرم المكي لأداء شعيرتي الحج والعمرة, ومن ذلك قوله_ صلي الله عليه وسلم-: وما من نبي من الأنبياء ولا رسول من الرسل إلا قد حج البيت الحرام, وطاف به, ووقف علي المشاعر المقدسة في هذه البقاع الطاهرة, فلما كان إبراهيم- عليه السلام_ بالشام أراه الله_ سبحانه وتعالي_ البيت وبوأه له, فخرج إليه من الشام, ومعه ابنه إسماعيل وزوجه هاجر أم إسماعيل الذي كان طفلا صغيرا ترضعه'( الطبري). ثامنا: يذكر القرآن الكريم أن من فضائل الحرم المكي أن من دخله كان آمنا, وليس ذلك الأمن لمكان آخر علي وجه الأرض. وقد بقي الحرم المكي مكانا آمنا أبد الدهر حتي في أيام الجاهلية التي كان العرب قد نسوا فيها دعوة كل من عبد الله ونبيه إبراهيم وولده إسماعيل_ عليهما السلام_ فانحرفوا إلي الشرك بالله, وعبدوا الأصنام والأوثان والنجوم والكواكب, وبقيت حرمة الكعبة المشرفة مصونة عندهم, وفي ذلك يمتن الله_ تعالي_ علي أهل مكة, بقوله العزيز[ أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبي إليه ثمرات كل شئ رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون]( القصص:57). وفي عهد داود ـ عليه السلام_ بقيت حرمة مكة وشرعة الحج إليها في مزاميره( من مثل مزمور رقم(84) من سفر المزامير في العهد القديم). تاسعا: من تعاظم حرمة البيت العتيق وحدود حرمه أن الله ـ تعالي ـ تهدد الذين يقترفون المحرمات فيه بعقاب منه, وأمر بتعظيم الدية علي من يرتكب جناية فيه, وبتغليظ العقوبة علي المسيئين في حدوده, وفي ذلك يقول الحق_ تبارك وتعالي_[ ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم]( الحج:25). وقال المصطفي_ صلي الله عليه وسلم_: (1)' إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس( البخاري). (2)' إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض, لا يعضد شوكه, ولا ينفر صيده, ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها'( البخاري, أحمد). (3)' إن الله حبس عن مكة الفيل, وسلط عليها رسوله والمؤمنين, ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي, ولا تحل لأحد بعدي, ألا وإنها ساعتي هذه حرام, لا يختلي خلاها, ولا يعضد شجرها, ولا تلتقط ساقطتها إلا لمنشد'( البخاري). (4)' لا يكون بمكة سافك دم, ولا آكل ربا, ولا نمام, ودحيت الأرض من مكة, وأول من طاف بالبيت الملائكة'( أحمد). (5)' لا يحل لأحد أن يحمل السلاح بمكة'( مسلم). (6)' صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه, ألا المسجد الحرام فإن الصلاة فيه بمائة ألف صلاة في غيره, وصلاة في المسجد الأقصي بخمسمائة صلاة'( مسلم). (7)' لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة حق تعظيمها, فإذا ضيعوا ذلك هلكوا'( الطبراني). ( وروي عن رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ قوله عن مكة المكرمة' والله إنك خير أرض الله, وأحب أرض الله إلي الله, ولولا أني أخرجت منك ما خرجت'( أحمد). (9)' ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال ألا مكة والمدينة'( متفق عليه). وهذه الأحاديث النبوية الشريفة هي مذكرة تفسيرية لقول ربنا- تبارك وتعالي_ علي لسان خاتم أنبيائه ورسله- صلي الله عليه وسلم-[ إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شئ وأمرت أن أكون من المسلمين]( النمل:91). من هنا كان رسول الله_ صلي الله عليه وسلم_ وهو مقيم في مكة المكرمة يستقبل في الصلاة كلا من الكعبة المشرفة وبيت المقدس, فلما هاجر إلي المدينة أمره الله_ تعالي_ بالصلاة إلي بيت المقدس ستة عشر شهرا, ليؤكد وحدة رسالة السماء, الأخوة بين الأنبياء, وليتبين الثابت علي دينه من المتشكك فيه. ولعلمه_ صلوات ربي وسلامه عليه_ بفضل مكة المكرمة علي سائر بقاع الأرض كان يتوق لأمر الله_ تعالي_ بتغيير القبلة إلي المسجد الحرام, وفي ذلك يقول له ربنا_ تبارك وتعالي-: [ قد نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره وما الله بغافل عما يعملون وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم]( البقرة:144). وقد أخبر الله- تعالي_ خاتم أنبيائه ورسله_ صلي الله عليه وسلم_ عما سيقوله السفهاء من الكفار والمشركين عن تحويل القبلة قبل نزول الأمر بذلك, وفي ذلك تقول الآيات:[ سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم, وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب علي عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا علي الذين هدي الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم]( البقرة:143,142). وهذا الإخبار من معجزات القرآن الإنبائية, ومن الشهادات علي صدق نبوة المصطفي ـ( صلي الله عليه وسلم). روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما_ أنه قال:' لما وجه النبي ـ صلي الله عليه وسلم_ إلي الكعبة, قالوا: يا رسول الله: كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلي بيت المقدس ؟ فأنزل الله ـ تعالي_ قوله العزيز[ وما كان الله ليضيع إيمانكم] أي صلاتكم. وكان تحويل القبلة كان بأمر من الله_ تعالي_ لاختبار إيمان المؤمنين وغربلة صفهم من المنافقين, ولتأكيد وحدة رسالة السماء, الأخوة بين الأنبياء, حرمة مكة المكرمة وفضلها علي جميع بقاع الأرض. من هنا كان استقبال القبلة واجبا من واجبات الصلاة لا تصح بدونه. ولكن إذا خفيت أدلة القبلة لغيم أو ظلمة وجب علي من يريد الصلاة سؤال من يرشده إليها, فإن لم يجد اجتهد قدر طاقته, وصلاته صحيحة حتي لو تبين له خطؤه بعد الفراغ من أدائها, ولا إعادة عليه. ولكن إذا تبين له الخطأ أثناء الصلاة استدار إلي القبلة الصحيحة دون أن يقطع صلاته, وذلك لاستدارة الرسول_ صلي الله عليه وسلم_ من اتجاه بيت المقدس إلي اتجاه مكة حين جاءه الوحي بذلك في قباء واستدار المصلون من ورائه. ولا يسقط شرط التوجه إلي القبلة إلا في صلاة النافلة للراكب وصلاة كل من المكره, والمريض والخائف. من كل ذلك يتضح وجه الإعجاز التشريعي في تحديد قبلة المسلمين إلي الكعبة المشرفة, فالحمد لله علي نعمة الإسلام, والحمد لله علي نعمة القرآن, والحمد لله علي بعثة خير الأنام, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.