أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
من معاني الحج د علي جمعه يتميز الحج بمعان سامية وحكم شريفة عالية تدعونا للتأمل في أركانه وأفعاله,والنظر في نتائجه وآثاره, وهي في الجملة تطهير الأبدان وتزكية النفوس, فأفعال الحج كلها تربية عملية علي الطاعة التامة لله رب العالمين, والإخلاص في العبودية له,
والامتثال لأمره,فضلا عن شمولها لكثير من المعاني التي تسهم في بناء مجتمع إسلامي متكامل, ووحدة عضوية وروحية مترابطة.ومن تلك المعاني العظيمة: (1) التجرد: فالحج ينأي بالإنسان عن هموم الحياة وتعلقه بها لتصفو نفسه وتسمو روحانيته فيزداد قربا من الله, وأولي خطوات هذا التجرد هي الإحرام, الذي يعني التجرد من كل ما سوي الله, وأسوتنا في هذا التجرد وذلك التعلق ما فعله وقاله أبو الأنبياء إبراهيم صلوات الله عليهم أجمعينربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة)(إبراهيم:37) والحاج في هذه الحالة من التجرد لله يتشبه بالملائكة في التجرد المحض للخير, قال الله تعالي فيهملا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) لتحريم:6 وفي ذلك يقول الإمام الغزالي:'التجرد لمحض الخير دأب الملائكة المقربين, والتجرد للشر دون التلافي سجية الشياطين, والرجوع إلي الخير بعد الوقوع في الشر ضرورة الآدميين; فالمتجرد للخير ملك مقرب عند الملك الديان, والمتجرد للشر شيطان, والمتلافي للشر بالرجوع إلي الخير بالحقيقة إنسان'[الإحياء105/3]. وعندما يكون المرء أقرب للملائكة ينبذ الرفث ويهجر الفسوق ويتزود بخير زاد, كما قال تعاليفلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوي) البقرة:197, وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم:'من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه'(صحيح البخاري553/2). (2)المداومة بعض الوقت علي أعمال الآخرة: ومظهر ذلك الذكر والتلبية,فعندما يتجرد القلب لله يعرف القصد والغاية, فلا يقطعه عنه قاطع, ولا يشغله عنه شاغل, فيلهج لسانه بذكر الله عز وجل ودعائه وتلبيته, فلا نسمع إلا صدي التلبية وأصوات التكبير التي تبين أن هذه الأمة في حقيقتها إنما تكبر الله, وتستصغر كل شيء سواه, وتتحقق بذلك واقعا, فتبتهج الخلائق من حول الحجاج فتشدو أجمل الألحان وأصدقها:'لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك', ولذلك قال صلي الله عليه وسلم:'ما من مسلم يلبي إلا لبي من عن يمينه أو عن شماله من حجر أو شجر أو مدر حتي تنقطع الأرض من هاهنا ومن هاهنا')الترمذي410/3(,وهذا الذكر يؤدي إلي شحن القلوب وغمرها بفيوض الإيمان, وإلي تقوية الصدور باليقين والتجرد لرب العالمين. (3) التقاء الأرض بالسماء: ففي ظل هذه الروح العامرة بالذكر تلتقي الأرض بالسماء حين تقع عين المرء علي الكعبة المشرفة ويعلم أن الدعاء عندها مطلوب ومستجاب; لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم:'الحجاج والعمار وفد الله, إن دعوه أجابهم, وإن استغفروه غفر لهم'(سنن ابن ماجه966/2), قال المناوي:'وعند رؤية الكعبة يحتمل أن المراد أول ما يقع بصر القادم إليها عليها, ويحتمل أن المراد ما يشمل دوام مشاهدتها,فما دام إنسان ينظر إليها فباب السماء مفتوح والدعاء مستجاب,والأول أقرب'(فيض القدير339/3). وفي الطواف بالبيت تشبه بالملائكة المقربين الحافين حول العرش وأيضا الطائفين حول البيت المعمور في السماء السابعة, وما القصد طواف الجسم,بل طواف القلب بذكر الرب سبحانه.وفي التعلق بأستار الكعبة والالتصاق بالملتزم طلب القرب حبا وشوقا للبيت ولرب البيت,وتبركا بالمماسة وبالإلحاح في طلب المغفرة. وفي السعي بين الصفا والمروة مضاهاة تردد العبد بفناء الملك ذهابا ومجيئا إظهارا للخلوص في الخدمة,ورجاء للملاحظة بعين الرحمة,والتجاء إلي من بيده الضر والمنفعة. (4) الشعور بالانتماء لأمة مترامية الأطراف مترابطة الأواصر: وذلك يوم وقوف الحجيج جميعا بعرفة في صعيد واحد ووقت واحد, ساعتها يدرك الإنسان أن تكاليف الشرع سهلة المنال; إذ السالكون والوافدون من كل فج عميق, تحقيقا لوعد الله تعالي لخليله إبراهيموأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلي كل ضامر يأتين من كل فج عميق)(الحج:27), وفي هذا تذكرة بيوم الحشر واجتماع الأمم وتحيرهم في ذلك الصعيد الواحد بين الرد والقبول,وفي ذكر ذلك إلزام القلب الضراعة والابتهال إلي الله عز وجل ورجاء الحشر في زمرة الفائزين, فالموقف مهيب وشريف,والرحمة إنما تصل من حضرة الجلال إلي كافة الخلق بواسطة القلوب النقية. وفي هذا الموقف تتضح لنا قيمة الوحدة والتآلف والتراحم بين أفراد هذه الأمة التي هي كالجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي. (5) الفأل الحسن برفع الأذي: حيث نجد الحاج بعد رمي الجمرات والنحر والحلق أو التقصير في راحة نفسية كبيرة, استبشارا بأنه كما أزال عن جسده الدرن والأذي الجسماني,أن يمن الله عليه بالتخلص من درن الذنوب والخطايا والأذي النفساني. (6) اقتران الشهادتين: ففي الحج أيضا صورة من صور اقتران شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله, حين يهفو الحجيج إلي المدينة المنورة شوقا لزيارة الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم, فهو من دلنا إلي الطريق المستقيم, وأرشدنا إلي ذلك الفضل العظيم, فزيارة المدينة النبوية لها شأن كبير في الدلالة علي ارتباط الشهادتين, والاعتراف بالجميل لسيد الخلق وخاتم المرسلين, علي ما أسداه إلينا من معروف فكنا بفضل الله من المسلمين.وصدق من قال: فذو العرش محمود وهذا محمد. * مفتي الجمهورية